من المغرب إلى كل إفريقيا.. مغاربِيُّون، مصريون وسنغاليون يحولون الرباط إلى عاصمة فرح إفريقي بعد ثلاثية التأهل

 من المغرب إلى كل إفريقيا.. مغاربِيُّون، مصريون وسنغاليون يحولون الرباط إلى عاصمة فرح إفريقي بعد ثلاثية التأهل
الصحيفة - خولة اجعيفري
الثلاثاء 30 دجنبر 2025 - 14:30

تحول مساء الإثنين الرباط  إلى ما يشبه مدينة قررت أن تخلع جلدها اليومي وتظهر في هيئة أخرى أكثر جرأة، أكثر حياة، وأكثر امتلاء بالفخر ما إن أطلق الحكم صافرة النهاية معلنا الفوز بثلاثية نظيفة وتأهل المنتخب المغربي إلى ثمن نهائي كأس إفريقيا للأمم 2025 متصدرا مجموعته فقد بدا وكأن شيئا غير مرئي انفلت في الهواء، فانطلقت المدينة كلها تحتفل بلسان واحد، وملامح وجه واحدة وإيقاع لا يشبه إلا نفسه.

من اللحظة الأولى بعد نهاية المباراة، تحولت "باب الأحد"، الساحة التي يتجمع فيها الناس، إلى نقطة ارتكاز لعاطفة كبيرة تتراكم وتتمدّد السيارات بدأت تتقاطر على المنطقة، الأبواق تتحول إلى موسيقى حماسية متقطعة، أصوات الأبواق تختلط بضجيج الضحك والصراخ والزغاريد، والأعلام تتكاثر بسرعة مذهلة كما لو أنها تنبت من الهواء.

رجال يرفعونها فوق رؤوسهم كمن يرفع قلبه عاليا ليشاهده الجميع، نساء يُلوحن بها بفرح شفاف، أطفال يهرولون بين الأرجل الصغيرة والكبيرة كأنهم كرات فرح تتنقل بلا توقف.

مقاهي باب الأحد الصغيرة، بدت وكأنها أصبحت فجأة مسارح مصغرة امتدت إلى شارع محمد الخامس الطويل والعريض والكراسي خرجت إلى الأرصفة، الطاولات التصقت ببعضها كأنها تجتمع في احتفال عائلي كبير، شاشات التلفاز بقيت مشتعلة رغم نهاية المباراة، كأنها تخاف إن انطفأت أن يبرد هذا الدفق من الحماس ووجوه كثيرة كانت تضحك حتى وهي صامتة، وأخرى كانت تصرخ حتى وهي لا تدرك بالضبط ما تقول كان المشهد أوسع من كلمات محددة وكانت الروح أقوى من اللغة.

جانب من عبارات الشكر للمغرب في مدرجات ملعب "أدرار" بأكادير

في وسط هذا الزخم، التقت "الصحيفة'' بيونس، شاب في منتصف العشرينيات يقف فوق حافة رصيف صغير وعلم مغربي كبير متدلٍ من كتفه إلى الأرض يلوّح به بجدية طفل وشغف رجل، قال وهو يلهث بين عبارة وأخرى ''إنه ليس تأهلا فقط، هذا أصلا محسوم، هو أمل في أن المنتخب والمدرب استوعبا الدرس، هذا شعور بأن المغرب كله واقف"، ثم يسترسل "أنظري حولك، الناس لم يأتوا للتشجيع فقط، بل كي يحسّوا بأنهم جزء من شيء كبير، وديما مغرب" ثم يضحك فجأة دون سبب واضح، ويعود ليهتف مع مجموعة شبان كانوا يرددون "ديما مغرب" بصوت يعلو كل شيء.

غير بعيد عنه، كان رجل في الخمسين من عمره ممسكا بيد زوجته، وعلى كتفيه يجلس طفل صغير يمسك علما صغيرا كأنه كنز كان الرجل ينظر إلى المشهد بعينين لامعتين وهدوء غريب وسط هذا الضجيج، وحين سُئل قال بابتسامة عميقة: "أنا شفت بزاف ديال لحظات الفرح فهاذ البلاد، ولكن هاد الليلة مختلفة، كأننا نحتفل بأنفسنا، بقدرتنا أن نكون مع بعض، بلا عقد، بلا توتر… فقط فرح، وهاد الكاس بغيناها وخصها تبقا عندنا".

الوجود المغاربي في شارع محمد الخامس بعد انتهاء المباراة كان واضحا بشكل جميل فمجموعات من التونسيين والجزائريين وجدوا أنفسهم جزءا من هذا البحر البشري لهجات تتداخل، أغانٍ مختلفة لكنها تنتهي في نفس اللحن الجماعي.

شابة تونسية التقتها "الصحيفة" كانت تضحك وتردد الهتاف المغربي دون أي تردد، ثم تقول بلهجة مليئة بالود: "نعرف اليوم أنني في بلد يشبه بلدي نفس الحرارة، نفس الروح ونفس القدرة على الفرح الكبير، يعيشكم المغاربة ملا تنظيم وملا لعب تستحقو الفرح".

لم يكن المشهد في الرباط مغربيّا خالصا بل كان إفريقيّا واسع الروح، متعدد اللهجات والملامح، وكأن القارة بأكملها قررت أن تمر عبر باب الأحد وتتنفس الفرح هنا.

ووسط موج البحر البشري، كانت الأعلام لا تقتصر على الأحمر والأخضر بل تتداخل معها ألوان السنغال، ساحل العاج، غينيا، نيجيريا، والكاميرون، في لوحة بصرية تُشبه خريطة إفريقيا ترفرف فوق الرؤوس.

بالقرب من إحدى المقاهي، كان شبّان سنغاليون يقفزون مع المغاربة بنفس الحماس، يضحكون، يلتقطون الصور، ويصفقون بإيقاع إفريقي صافي، حتى بدا أن الإيقاعات نفسها تعرف طريقها إلى القلوب دون حاجة إلى مترجم، وهنا مامادو ديارا، شاب سنغالي يرتدي قميص منتخب بلاده ويحمل علميْن، واحدا للسنغال وآخر للمغرب، قال بابتسامة لا تهدأ "نحن نحتفل كما لو كان منتخبنا هو من فاز  لأن المغرب ليس مجرد مستضيف للكان، بل بيت كبير نعيش فيه هذه البطولة وهنا نشعر أننا بين أهلنا بين إخوتنا".

غير بعيد عنه، كان شاب من ساحل العاج يلوّح بعلم بلاده إلى جانب علم المغرب، وعيناه تلمعان بانبهار حقيقي بما يحدث حوله "في كثير من البطولات نرى المنافسة، لكن هنا نرى العائلة، المغرب لا ينظم بطولة فقط، بل يصنع لحظة إنسانية تجمعنا كلنا''.

أجواء هذا الاحتضان الإفريقي لم تمنع الحضور العربي من أن يترك بصمته هو الآخر فمجموعة من المصريين، بعضهم مقيمون وبعضهم جاؤوا خصيصا لمتابعة الكان كانوا يقفون وسط الجموع يرفعون علم مصر إلى جانب العلم المغربي يرددون " ديما المغرب تحيا مصر "ويضحكون كما لو أنهم في شارع قاهري لكن بقلب مغربي.

هنا، التقت "الصحيفة"  أحمد حسين، شاب يوتوبر مصري كان يصور المشهد بهاتفه باهتمامٍ مُحب قال وهو ينظر حوله بدهشة سعيدة: "هذا المشهد لا تراه كل يوم المغرب لا يقدم مجرد تنظيم جيد للبطولة، هو يقدم روحا حقيقية تجمع العرب والإفريقيين في مكان واحد، الليلة أحسست أنني لا أشجع فقط كرة قدم بل أشجع فكرة جميلة اسمها هذا المغرب".

كان واضحا أن المغرب، بصفته البلد المحتضن للكان، لم يفتح ملاعبه فقط، بل فتح مدنه وقلوبه ومساحاته العامة لثقافات متعددة وجماهير مختلفة، ليحوّل لحظة الفوز إلى عيد جماعي عابر للحدود وكانوا جميعا يحتفلون مع المغرب لكن في الحقيقة، كانوا يحتفلون بأنفسهم، بقارتهم، وبشعور نادر بالانتماء إلى بيت كبير اسمه إفريقيا وعنوانه المؤقت تلك الليلة الرباط.

أما شارع محمد الخامس لم يكن مجرد امتداد للمشهد، بل تحول إلى رواية أخرى كاملة التفاصيل الشارع الطويل استحال نهرا من الضوء الأضواء تنعكس على الأعلام، على العيون، على الدموع الصغيرة التي تختلط أحيانا بالضحك، على الوجوه التي لا تريد أن تنسى.

 باعة الأعلام يتحركون بخفة، يبيعون شيئا أكبر من قماش ملون يبيعون رمزا يسمح للناس بأن ينتموا أكثر وشاب يعزف على ''الدربوكة'' فيلتف حوله الناس في دائرة تلقائية من الرقص، رجل يصفق بإيقاع ثابت كأنه يحافظ على نبض الجماعة، امرأة تطلق زغرودة طويلة تشق الهواء مثل سهم من نور، وأطفال كثيرون يركضون بلا توقف، كأنهم لا يحتملون هذا الفرح داخل أجساد صغيرة.

الأمن كان حاضرا، لكن حضوره يشبه ظلا ذكيا يعرف متى يقترب ومتى يتراجع لم يكن هناك ثقل، بل طمأنينة وشعور بأن المدينة تعرف كيف تسمح لفرحها أن يمشي بحرية دون خوف لم تكن هناك فوضى، بل شكل خاص من النظام الذي تخلقه العفوية حين تبلغ ذروة الجمال.

كانت الأصوات تعلو وتخفت وتعود أقوى من جديد وكانت الأحاديث تتوزع بين تحليل المباراة وتوقع الطريق القادم للمنتخب، وبين تعليقات خفيفة، ونكات تُطلق وتنتهي بسرعة في الهواء كل ذلك كان يحدث بينما المدينة تكتب بصبر مشهدا لن يتكرر بسهولة وكلما مر الوقت، كان واضحا أن ما يحدث هنا أكبر من مباراة فاز بها فريق كرة قدم ودولة هي منظمة "الكان" وتسعى الاحتفاظ بالكأس كان أشبه بتأكيد ناعم وملموس على أن هذا البلد يملك القدرة على تحويل الانتصار الرياضي إلى عيد إنساني شامل.

وحين اقترب الليل من نهايته، لم تُغلق الستارة بشكل مفاجئ فالأصوات خَفتت قليلا، لكن الشوارع بقيت دافئة والهتافات قلت، لكن الابتسامات لم تغادر الوجوه.

الأعلام لم تُطوَ بسرعة، كأن الناس يخشون أن يزعجوا اللحظة إذا استعجلوا نهايتها وكان واضحا أن شيئا جميلا سيبقى طويلا بعد هذه الليلة وهي ذكرى مشتركة ستسكن في القلب، وقناعة بأن المغرب يعرف كيف يفرح بصوت عالٍ، وكيف يحول كرة القدم إلى مساحة للإنسان.. قبل أن تكون مجرد لعبة تُلعب فوق عشب الملعب.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...